تعمل المملكة العربية السعودية على تنفيذ خططها الاستراتيجية لتعزيز التوطين في سوق العمل وخلق فرص عمل للرجال والنساء السعوديين في مختلف القطاعات. الهدف من هذه الخطط هو الاستفادة القصوى من مهارات وخبرات المواطنين السعوديين، وذلك بهدف القضاء على البطالة. تأتي هذه الجهود كجزء من دعم الدولة لمكافحة البطالة وتحقيق الأهداف الرئيسية لـ(رؤية السعودية 2030).
وعلى مدى عقود، ركزت المملكة العربية السعودية بشكل مستمر على توطين الوظائف، وهو ما يتماشى مع المادة 28 من النظام الأساسي للحكم التي تنص على أن “الدولة تيسر مجالات العمل لكل من هو قادر على العمل، وتضع الأنظمة التي تحمي كلاً من العامل وصاحب العمل”. في إطار هذه السياسة، أطلقت المملكة العربية السعودية العديد من المبادرات والاستراتيجيات لتعزيز توطين الوظائف والمهن، وذلك بهدف تعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل مستدامة لمواطنيها.
منذ بدء خطة التنمية الرابعة بين عامي 1985 و1989، عملت المملكة العربية السعودية على تنفيذ استراتيجيات لتوطين الوظائف. هذه الخطة شملت دعوات لاستبدال العمالة الأجنبية بعمالة محلية وتشديد قوانين الهجرة. منذ ذلك الحين، أطلقت السعودية عدة مبادرات واستراتيجيات لتعزيز توطين المهن.
هذه المبادرات شملت توطين الوظائف في قطاعات حيوية كالبناء، التعليم، الصحة، الاتصالات، التكنولوجيا، والخدمات المالية. ضمن هذه الجهود، تم فرض حد أدنى لنسبة السعوديين في الشركات وغرامات على الشركات التي لا تلتزم بمعايير التوطين.
ونظرًا لأهمية توطين المهن في تعزيز الاقتصاد الوطني وفائدتها للمواطنين، أصبح التوطين جزءًا أساسيًا من أهداف رؤية المملكة 2030. وفي هذا السياق، أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على هدف الرؤية بالوصول إلى معدل بطالة يبلغ 7% في المملكة العربية السعودية بحلول عام 2030.
منذ إعلان هذه الرؤية، شهدت السعودية إطلاق مجموعة من المبادرات لتحفيز الشركات في القطاع الخاص على توظيف السعوديين. كما تم تطوير برامج عدة تهدف إلى تعزيز توطين الوظائف والمهن في مختلف القطاعات.
في بداية عام 2018، أعلنت الوزارة المختصة في المملكة العربية السعودية عن خطط لتوطين 12 قطاعًا ابتداءً من العام الهجري 1440. هذه الخطوة تهدف إلى توفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل للرجال والنساء السعوديين في جميع أنحاء المملكة. إضافةً إلى ذلك، تم تشجيع فتح فرص استثمار جذابة للسعوديين في هذه القطاعات، مما يساهم في خفض معدلات البطالة في البلاد.
وفي ذلك الوقت، شملت القطاعات التي تم توطينها محلات بيع الساعات، محلات النظارات، محلات الأجهزة والمعدات الطبية، محلات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، محلات قطع غيار السيارات، محلات مواد الإعمار والبناء، محلات السجاد بأنواعه، محلات السيارات والدراجات النارية، محلات الأثاث المنزلي والمكتبي الجاهز، محلات الملابس الجاهزة وملابس الأطفال والمستلزمات الرجالية، محلات الأواني المنزلية، ومحلات الحلويات. كان هدف هذه الخطوة توفير فرص عمل للسعوديين والسعوديات في هذه القطاعات وتحقيق أهداف توطين الوظائف.
في عام 2018، صادق مجلس الوزراء السعودي على تأسيس وكالة التوطين، المعنية بتسهيل توظيف السعوديين في القطاع الخاص. هذه الوكالة قامت بتحليل بيانات المواطنين الباحثين عن عمل والمؤهلين للعمل في مختلف القطاعات والمهن، بهدف تنفيذ عملية التوطين بطريقة تدريجية ومتوافقة مع المؤهلات.
وخلال نفس العام، أعلنت وكالة التوطين التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن إبرام اتفاقيات وشراكات استراتيجية مع 18 جهة حكومية وخاصة. هذه الشراكات كانت تهدف إلى توطين 11 قطاعًا جديدًا في المملكة.
منذ ذلك الوقت، وسعت المملكة العربية السعودية نطاق توطين المهن، حيث شملت القرارات الأحدث توطين مهن جديدة مثل إدارة المشاريع، مهن المشتريات، والمهن ضمن قطاع الغذاء والدواء. هذا التوسع كان له دور كبير في زيادة عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص.
وفي عام 2022، صرح وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودي، المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، بأن برامج التوطين في السعودية كان لها دور فعّال في خفض معدل البطالة إلى 9.7%. كما أشار إلى أن عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص تجاوز 2.2 مليون شخص، بالإضافة إلى تحقيق زيادة في معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة، والتي بلغت 35.6%.
ووفقًا لوكالة الأنباء السعودية، منذ إطلاق النسخة الأولى من برنامج التوطين وحتى مطلع العام الحالي 2023، تم إصدار 39 قرارًا لتوطين عدد من الأنشطة والمهن في المملكة.
حتى الربع الثاني من العام الجاري، شهدت السعودية انخفاضًا في معدل البطالة، حيث سجل 8.3% مقارنةً بـ 9.7% في نفس الفترة من العام الماضي. هذا التحسن يقترب من تحقيق الأهداف الحكومية الموضوعة في “رؤية 2030″، والتي تستهدف الوصول إلى معدل بطالة عند 7%. هذا التقدم يعزى إلى سلسلة من البرامج، المبادرات، والقرارات الحكومية الرامية إلى توطين عدد من الوظائف في مختلف القطاعات كجزء من إصلاحات سوق العمل.
منذ بداية العام وحتى شهر سبتمبر الماضي، أعلنت الوزارة عن إطلاق عدة برامج رئيسية، تشمل “سخاء”، “الولاء الوظيفي”، “دوم”، الحملة الوطنية للتدريب “وعد”، برنامج “جدير”، المنصة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية، مبادرة التوجيه والإرشاد المهني في المدارس، ومبادرة “الاحتساب الفوري”. هذه البرامج والمبادرات تأتي في إطار جهود الوزارة لدعم توطين المهن والاستفادة من الخبرات المحلية، بهدف تعزيز الاقتصاد الوطني.
ولتعزيز التزام الشركات بقرارات التوطين، أطلقت الوزارة عدة مبادرات منها برنامج التقييم الذاتي للمنشآت، نظام التفتيش الموجه، ودليل الامتثال لأصحاب العمل. تهدف هذه المبادرات إلى تعزيز الالتزام بالتوطين وتحسين كفاءة سوق العمل. فرق الرقابة الميدانية العاملة في مختلف مناطق المملكة تقوم بدور مستمر في متابعة ورقابة سوق العمل لضمان تطبيق هذه الإجراءات بشكل فعال.
ولدعم قطاع الأعمال الخاص ومساعدته في توطين الوظائف، توفر السعودية مجموعة من المحفزات والدعم. هذا يشمل تسهيل عملية البحث عن موظفين مناسبين، دعم التدريب والتأهيل، عمليات التوظيف وضمان الاستمرار الوظيفي، إلى جانب برامج الدعم والتوظيف المقدمة عبر صندوق تنمية الموارد البشرية. هذه المبادرات تهدف إلى تعزيز قدرات القطاع الخاص على توظيف المواطنين السعوديين.